شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
التكوين 2 - تفسير سفر التكوين
* تأملات في كتاب تكوين:
تفسير سفر التكوين: مقدمة سفر التكوين | مقدمة أسفار موسى الخمسة | التكوين 1 | التكوين 2 | التكوين 3 | التكوين 4 | التكوين 5 | التكوين 6 | التكوين 7 | التكوين 8 | التكوين 9 | التكوين 10 | التكوين 11 | التكوين 12 | التكوين 13 | التكوين 14 | التكوين 15 | التكوين 16 | التكوين 17 | التكوين 18 | التكوين 19 | التكوين 20 | التكوين 21 | التكوين 22 | التكوين 23 | التكوين 24 | التكوين 25 | التكوين 26 | التكوين 27 | التكوين 28 | التكوين 29 | التكوين 30 | التكوين 31 | التكوين 32 | التكوين 33 | التكوين 34 | التكوين 35 | التكوين 36 | التكوين 37 | التكوين 38 | التكوين 39 | التكوين 40 | التكوين 41 | التكوين 42 | التكوين 43 | التكوين 44 | التكوين 45 | التكوين 46 | التكوين 47 | التكوين 48 | التكوين 49 | التكوين 50 | ملخص عام
نص سفر التكوين: التكوين 1 | التكوين 2 | التكوين 3 | التكوين 4 | التكوين 5 | التكوين 6 | التكوين 7 | التكوين 8 | التكوين 9 | التكوين 10 | التكوين 11 | التكوين 12 | التكوين 13 | التكوين 14 | التكوين 15 | التكوين 16 | التكوين 17 | التكوين 18 | التكوين 19 | التكوين 20 | التكوين 21 | التكوين 22 | التكوين 23 | التكوين 24 | التكوين 25 | التكوين 26 | التكوين 27 | التكوين 28 | التكوين 29 | التكوين 30 | التكوين 31 | التكوين 32 | التكوين 33 | التكوين 34 | التكوين 35 | التكوين 36 | التكوين 37 | التكوين 38 | التكوين 39 | التكوين 40 | التكوين 41 | التكوين 42 | التكوين 43 | التكوين 44 | التكوين 45 | التكوين 46 | التكوين 47 | التكوين 48 | التكوين 49 | التكوين 50 | التكوين كامل
الإصحاح الأول نجد فيه صلة الله بالكون عموماً. أما في الإصحاح الثاني فنجد فيه صلة الله المحب بالإنسان بصفة خاصة. هو إصحاح الروابط الحلوة:
1. نشأة الإنسان وعلاقته بالله.
2. راحة الله هي في راحة الإنسان.
3. علاقة الإنسان بالأرض (الله ينبت زرعاً في جنة لأجل الأنسان).
4. الإنسان يعمل بلذة وفرح في الجنة. والله شريكاً للإنسان في العمل فنجد أن الله هو الذي غرس جنة ليحيا فيها آدم، وآدم يعمل لكي يحفظ هذه الجنة.
5. علاقة الإنسان بالحيوان (آدم له سلطان علي كل شئ): إعطاء الأسماء.
6. علاقة الزواج (الله يؤسس سر الزيجة) هنا نجد علاقة المحبة التي تربط الإنسان بالإنسان.
7. وراء كل هذا نجد الله المحب الذي خلق كل هذه الخليقة من أجل الإنسان.
8. ولكن نجد هناك وصية لآدم حتي يكون له الحق ان يستمتع بكل هذا، ففي مقابل الحرية هناك وصية.
أية1: "فاكملت السماوات والارض وكل جندها "
أكملت: المعني أن بعد اليوم السادس لم يعد الله يخلق أجناساً جديدة، بل هو يخلق من نفس الأجناس التي سبق فخلقها وهو يحافظ علي خليقته وهذا معني أبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل (يو 17:5) فهو يحفظ الخليقة حتي لا تهلك والكواكب في مداراتها.
جندها: الجند في العبراية صبا وجمعها صباؤوت ومعناها جمهور أو جيش عرمرم والله يسمَي لذلك رب الصباؤوت أي رب الجنود. والجنود تطلق علي الملائكة وعلي شعب الله الذي علي الأرض وعلي أفلاك السماء وكواكبها (2 أي 18:18 + أش 12:45 + مز 6:33) فالأولي تشير لجيش الملائكة والثانية تشير لأجرام السماء وقوات الأرض والثالثة تشير لكل المخلوقات. ويكون المقصود من الآية أن الله خلق كل شيء حسب جنسه ونظامه وترتيبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). السموات غير المنظورة بملائكتها والسموات المنظورة بنجومها والأرض وما عليها بكل زينتها. ولكن لماذا التسمية جنود؟! فالكواكب لنظامها البديع هي كجيش منظم وهي كثيرة جداً مثل الجيش لكن كل كوكب يعرف مكانه وهو تحت رياسة تضبطه وتضبط تحركاته. فالله ضابط الكل والكنيسة سميت أنها مرهبة كجيش بألوية (أش 4:6 ).
الأيات 2،3
" 2 وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل 3 وبارك الله اليوم السابع وقدسه لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا "
أكمل الله خليقته في اليوم السادس ورأي ذلك أنه حسن جداً والتطابق عجيب ففي اليوم السادس بل في الساعة السادسة أكمل الله فداء البشرية قائلا علي الصليب "قد أكمل" فبالصليب أعيدت خلقتنا من جديد وبالقيامة أخذنا الحياة. ومعني أن الله يستريح في اليوم السابع أي هو يفرح ويسر بالإنسان موضع حبه وحينما سقط الإنسان وفسدت طبيعته جدده الله روحياً وفتح له باب السماء، في خلال اليوم السابع (الذي بدأ بعد خلقة آدم وينتهي بمجئ المسيح الثاني)، ففي خلال اليوم السابع كان الفداء الذي به أنهي الله أعماله كلها للإنسان وإستراح الله لأنه قدم للإنسان طريق السماء. وراحة الإنسان الحقيقية أنه يكتشف أنه ليس تراباً فقط فيكون كل إهتمامه للعالم، بل هو خليقة روحية لا يستريح سوي في الله ومع الله، بل هو يقضي فترة خاطفة علي الأرض ويكمل بعد ذلك حياته الأبدية في السماء في حضن الله. وحتي يطبع الله هذه المفاهيم في الإنسان نري الله يطلب من الإنسان أن لا يعمل يوم السبت بل يخصصه لله وللعبادة. فالإنسان كجسد لابد ان يعمل وهذا هو ما طلبه الله من آدم " لكن الإنسان كروح لن يرتاح وتكون له راحة إلا في الله.
فإستراح:
في العبرية لا تعني الكف عن العمل بل الراحة والإستقرار والرضي لأن الله لا يكل ولا يعيا. وراجع مز 31:104 + صف 17:3 لتري ان الله يفرح ويسر بأعماله. وما يتعب الله خطايانا أش 24:43. والإنسان كان سيظل في راحة لو لم يخطئ. ولكن الخطية والموت الذي إستتبعها كانا شيئاً عابراً وبعده ستعود الراحة. لذلك يعيش الإنسان مدة حياته علي الأرض يعمل ويشقي ويتعب (رمزياً مدة عمر الإنسان 6 أيام) وبعد الستة الأيام يذهب الإنسان للفردوس حتي يرتاح. وصارت راحة الله في إتحادنا بالمسيح القائم، وراحة الإنسان في المسيح القائم، لذلك إستبدلت الكنيسة يوم السبت بيوم الأحد يوم القيامة. وصار هذا اليوم هو راحة للجسد من التعب واهتمامات العالم لترتاح الروح في علاقتها بالله. فراحة الله= راحة الذين يستريحون في الله.
أية 4:
" 4 هذه مبادئ السماوات والارض حين خلقت يوم عمل الرب الاله الارض والسماوات "
هذه مبادئ:
بالعبرية جاءت الكلمة توليدوت وترجمت بالإنجليزية Generations وبالعربية مبادئ فعمليات الخلق الجديدة تعتبر إنتاجاً للأجناس وتشبه بعمليات الولادة.
الرب الإله:
لأن الإصحاح الأول كان يتكلم عن علاقة الله بالعالم وأنه الخالق الجبار إستخدم لفظ إلوهيم= الإله بمعني صاحب القوة أو الكلي القدرة والقوة. ولكن في هذا الإصحاح الذي يكلمنا عن الله المحب الذي هو كل شيء للإنسان وصنع كل شيء لأجل الإنسان الذي يحبه فنجد هنا الكتاب يحدثنا عن الله بإسم يهوة إلوهيم أي الرب الإله وهذه أول مرة يستخدم الكتاب اللفظ يهوة. وإسم يهوة من الفعل العبري "هوا" أو "هيا" بمعني كان، إذا يهوه معناها الكائن. والله عرَف موسي المعني بقوله " اهية الذي أهية": أكون الذي أكون والمعني أن الله هو الواجب الوجود بذاته ولا يعتمد علي أحد في وجوده هو أزلي وأبدي، هو الذي كان والكائن الأن وإلي الأبد. ولماذا إستخدم الكتاب هذا الأسم في هذا الأصحاح؟ لأن الله يعلن للإنسان الذي يحبه أنه هو له (أي للانسان)كل شئ، هو يعلن ذاته للمؤمنين به بالنعمة والمحبة وهو الذي فيه كل إحتياجات البشر.
يهوة: Iam: أنا أكون… أكون كل شيء لأحبائي لذلك نري أسم الرب يأتي هنا في إصحاح حب الله لآدم. لفظ الله يشير لسيادة الله علي كل الخليقة ولكن لفظ يهوة (الرب) تشير لعلاقة الله بخاصته أي الإنسان الذي أحبه وخلق كل شيء لأجله.
"هو حياتنا كلنا خلاصنا كلنا رجاؤنا كلنا وقيامتنا كلنا" (أوشية الإنجيل).
واليهود لم يكونوا يستعملون إسم يهوة لخوفهم من الأسم فإستعملوا بدلا منه لفظ أدوناي أي السيد أو الرب وبالإنجليزية The Lord وباليونانية كيريوس هذا ونلاحظ أن المسيح بعد أن أنهي خدمته الجهارية علي الأرض صلب يوم الجمعة وقضي يوم السبت في القبر.
ويري الأباء أن وصية حفظ السبت والتي تعني في العبرية "الراحة" إنما هي رمز للثبوت في المسيح بكونه راحة الأب، فيه يجد لذته من جهتنا، وراحتنا نحن إذ فيه ندخل إلي حضن الآب. وكأن السيد المسيح نفسه هو سبتنا الحقيقي. هذا هو سر إهتمام الله بحفظ وصية السبت وجعلها خطاً رئيسياً في خطة خلاص شعبه، من يكسرها يكون قد نقض العهد الإلهي وحرم نفسه من عضويته في جسد المسيح أي الكنيسة.
الرب الاله
نلاحظ في الإصحاح الأول قول الكتاب في البدء خلق الله…
وفي الإصحاح الثاني تتكرر كلمة الرب الإله.
فالله بمعني سيد، هو سيد كل الخليقة وموجدها من العدم وهو يسود علي الكل، علي كل ما خلقه.
وفي الإصحاح الثاني، إصحاح صداقة الله بالإنسان، الذي فيه لذته "لذاتي مع بني آدم (أم 31:
" يقدم الله نفسه بإسم الرب الإله، فهو إله آدم أي خالقه وسيده، ولكنه أيضاً هو ربه. فما معني كلمة رب هذه؟ هي في أصلها يهوة (خر 15:3) ولكن اليهود خوفاً من إسم يهوة، صاروا لا يستعملونه، بل إستخدموا بدلاً منه كلمة الرب، وصاروا يستبدلون كل كلمة يهوة بكلمة الرب في الكتاب المقدس بدافع الخوف من الله ومن إسمه يهوة. (كما لا يذكر غالبية المصريين أسماء زوجاتهم ويقولون "الجماعة").
فما معني كلمة يهوة؟ Iam أنا أكون… فهي من ناحية تعني أن الله هو الكائن بذاته ولم يوجده أحد. كان وكائن وسيكون للأبد. ومن ناحية أخري فهو كل شيء لنا، لذلك يصلح أن يوضع مكان النقاط في أنا أكون… أي شئ، كما نقول في أوشية الإنجيل "أنت حياتنا، خلاصنا، رجاءنا… كلنا" ونلاحظ في الكتاب أن كلمة الله يستخدمها الكتاب غالباً في حديثه عن علاقة الله بالعالم ككل، أما كلمة الرب فتستخدم مع شعب الله وخاصته.
أمثلة: قارن تك 7:16 فوجد (هاجر) ملاك الرب مع تك 17:21 ونادي ملاك الله هاجر من السماء، فهو ملاك الرب حين أمرها أن تعود لإبراهيم، وإبراهيم هو شعب الله، وهو ملاك الله حين أمرها أن لا ترجع. وقارن تك 13:6 وقال الله لنوح "نهاية كل بشر"... هنا الله سيد الخليقة الذي يأمر بهلاكها. مع تك 1:7 وقال الرب لنوح أدخل… هنا نوح هو خاصة الرب والذي يحميه الرب من الهلاك، هو للرب والرب له.
أية5: كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض ولا كان انسان ليعمل الارض
هي تكرار لليوم الثالث وهي لا تعني أن الله بدأ خلق النبات في هذا الوقت لأن الآن كانت الأرض قد إكتملت. وهذه الأية ذكرت هنا لتشير أن الله خلق النبات. لأجل آدم حبيبه ليكون له طعاماً. وهو خلق النبات من أرض كانت خربة وخالية. هذه الأية مراجعة لليوم الثالث تتمشي مع فكرة الأصحاح الثاني أن الله أعد كل شيء للإنسان.
أية6:
"6 ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض "
هذه الأية تشرح كيفية تكوين المطر فهو عطية الله للإنسان أيضا. والمطر أصله ماء قد تبخر من الأرض فتكون الضباب (السحاب) وتكاثف في طبقات الجو العليا حتي يمطر راجع أي 27:36.
أية7:
" 7 وجبل الرب الاله ادم ترابا من الارض ونفخ في انفه نسمة حياة فصار ادم نفسا حية "
آدم
جسده من تراب الأرض وكلمة آدم تعني أحمر وأصل الكلمة "أدمية" أي تراب أحمر. ولكنه ليس تراب فقط بل
نفخ الله في أنفه نسمة حياة
هذه هي الروح فآدم من تراب ليعرف حقيقة ضعفه بدون نعمة الله، ومن نسمة الله ليعرف قيمته أمام الله، فيعطي لروحه الغلبة علي جسده وشهواته. وكلمة نفخ أي أودع الله في آدم خاصية الحياة فنسمة الحياة هذه هي الروح أي 8:32.
تأمل: في آية 5 نري أن آدم كان لابد ان يعمل حتي يكون هناك ثمر. ولابد أيضا من بذور وهذه قد خلقها الله منذ اليوم الثالث ولابد من مطر يسقطه الله من السماء. وآدم هو من تراب الأرض فنجد آدم يشترك مع الله في العمل والله يشترك مع آدم في العمل حتي يكون هناك ثمر. وروحياً وبالرجوع لمثل السيد المسيح "الزارع والزرع" مت 2:13-23 يكون المقصود بالأرض في المثل هو الإنسان (آدم من تراب). والبذرة هي كلمة الله (البذور خلقت في اليوم الثالث والمسيح قام في اليوم الثالث) والمطر هو الروح القدس الذي يعطيه الله من السماء للإنسان. ولكن لنلاحظ أهمية عمل الإنسان بجانب نعمة الله وهذا ما تشير له كنيستنا بتعبير الجهاد والنعمة.
أية8:
" 8 وغرس الرب الاله جنة في عدن شرقا ووضع هناك ادم الذي جبله "
هنا نري محبة الله وأبوته الفائقة ورعايته ومحبته للإنسان فهو يغرس جنة ليعيش فيها الإنسان. وهي شرقاً لأن موسي الآن يكتب في سيناء والجنة كانت عند نهر الفرات.
وكلمة عدن تعني بهجة أو نعيم. هكذا خلق الله آدم ليحيا في فرح. وكل مسيحي الآن ينظر للشرق أي ينتظر المسيح شمس البر في مجيئه الثاني بفرح ويعيش علي هذا الرجاء أن ينتقل من عالم الحزن والشقاء لعالم الفرح الأبدي. ولكن معني ان هناك جنة باسم عدْن فهذا يعني ان آدم كان يحيا في فرح. ولكن كان هذا لانه كان يبادل الله حباً بحب. فآدم لانه علي صورة الله والله محبة ، كان يحب الله وكذلك كانت لذته في الله.
أية 9:
" 9 وانبت الرب الاله من الارض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للاكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر "
شهية للنظر وجيدة للأكل:
والمسيح حلقه حلاوة وكله مشتهيات نش 16:5. فهل ننظر له لنشبع أم ننظر للعالم نشبع به.
وشجرة الحيوة في وسط الجنة:
تشير للمسيح الذي كل من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية "يو15:3" وراجع أم 18:3 فالحكمة هي شجرة حياة لممسكيها والمسيح هو أقنوم الحكمة (اللوغوس) وراجع رؤ 7:2 +2:22 + يو54:6. ولا نجد في أورشليم السماوية غير شجرة حياة ولا نسمع أنه في السماء توجد شجرة معرفة خير وشر فلا يوجد هناك شر بل حياة أبدية.
شجرة معرفة الخير والشر:
المشكلة ليست في معرفة الخير والشر فالله يريدنا أن نميز بينهما ونختار الخير ونرفض الشر. ولكن المقصود هو أن من يأكل من هذه الشجرة فيعرف الخير والشر بمعني يعرف الخير حين يفقده ويعرف الشر بأن يختبره. فالمعرفة في حد ذاتها هي نعمة وبركة ولكنها إن إتجهت إلي خبرة الشر تصير علة للهلاك. هذه المعرفة هي التي تحمل العصيان في داخلها (عب 14:5) الله كان يريد لآدم ألا يختبر الشر لأنه مازال ضعيفاً.
وشجرة الحياة كانت ضمن شجر الجنة المسموح لأدم أن يأكل منها ولوفعل لعاش للأبد والمقصود بهذا أن آدم كان معروضاً عليه أن يختار بحرية بين أن يتحد بالله فيحيا للأبد أو أن يبدأ في الإحساس بمواهبه وغناه وجماله وقوته بالإنفصال عن الله وليس من خلال وحدته مع الله. والإنفصال عن الله يساوي موتاً. وكانت هذه سقطة إبليس أنه شعر بإمكانياته حينما كان ملاكاً من طبقة الكاروبيم فإنفصل عن الله ومات وهلك. وهنا فالله يشرح لآدم لا تأكل من هذه الشجرة، شجرة الإنفصال عن الله كما فعل ذاك.
أية 10:
" 10 وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ومن هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس "
كما نجد نهر هنا في الجنة نجد نهر في أورشليم السماوية رؤ1:22. وقد سبق ورأينا في أورشليم السماوية شجرة حياة كما هنا في الجنة. وإذا كانت شجرة الحياة هي المسيح فالنهر إشارة للروح القدس الذي يفيض علي أرضنا فيحول قفرنا إلي جنة تفرح قلب الله (يو38:7) وإنقسام النهر إلي أربعة رؤوس فيشير إلي فيض الروح علي الكنيسة في كل مكان (رقم 4 هو رقم العمومية، أي هو لكل إنسان يريد) (مز 4:46) إذا الانسان في علاقته بالله يصير بالروح القدس جنة عدن الجديدة. وبذلك فجنة عدن تشير للكنيسة أو للنفس البشرية التي فيها المسيح ويرويها الروح القدس وهي في فرح.
الأيات 11-14:
" 11 اسم الواحد فيشون وهو المحيط بجميع ارض الحويلة حيث الذهب وذهب تلك الارض جيد هناك المقل وحجر الجزع 12 واسم النهر الثاني جيحون وهو المحيط بجميع ارض كوش 13 واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي اشور والنهر الرابع الفرات "
أسماء الأنهار الأربعة أو الفروع الأربعة كل منها يشير لعمل من أعمال الروح القدس مع الإنسان.
فيشون: الجاري أو المنطلق والبعض يترجمه زيادة أو نمو. وهو يحيط بأرض الحويلة وحويلة تعني تعب ووجع. فالروح يفيض ليخلصنا من التعب، فهو المعزي.
جيحون: منقذ أو مخلص وهو محيط بأرض كوش (أسود) أي خلاص من سلطان الظلمة.
حداقل: هو نهر دجلة والكلمة تعني سريع وهو يجري شرق أشور. وأشور شعب مقاوم لله ولشعب الله. والمعني أن الله هو في إستجابته سريع، وعمل نعمته سريع حتي تخضع كل التحديات المقاومة لشعب الله.
الفرات: غزير وماءه عذب. وما أحلي وأعذب إعلان الله في المحبة.
إذا الروح القدس يفيض علي الإنسان بغزارة ويعطي له عذوبة تذوق محبة الله. ويخلصه من أتعابه ووجعه فهو المعزي ويخلصه من سلطان الظلمة فهو الذي يبكت علي الخطية وهو الذي يسندنا في حروبنا مع أعدائنا.
حيث الذهب… هناك المقل وحجر الجزع: مرة أخري نعود لأورشليم السماوية فنجدها من ذهب رؤ18:22 وسوقها ذهب رؤ21:22 وأساساتها أحجار كريمة رؤ19:22 ولنقارن مع الجنة. فالجنة لأنها مازالت في الأرض فكان فيها ذهب وفيها حجر جزع أما في السماء فكلها ذهب وأساساتها أحجار كريمة. فأدم خلق في الجنة كإنسان ترابي لكن نفخة الروح فيه وشركته مع الله جعلت لـه حياة سماوية والذهب يرمز للسماويات أما لو إنتقل للسماء فعلاً فسيصير سماوياً بالكامل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والمقل هو نوع من الصمغ (المر الذي يسيل من أشجاره) ويصلح كدواء وبخور وقد يكون حجر كريم نادر وحجر الجزع هو من الأحجار الكريمة. وأولاد الله في نظره هم أحجار كريمة والمقل هنا يشير لعلاقته بالله وصلاته أو إتصاله الدائم بالله.
ونلاحظ التشابه والمقارنة بين الجنة وأورشليم السماوية (أول وأخر الكتاب المقدس).
وجغرافيا: فقوله النهر غالباً يقصد به إلتقاء نهري دجلة والفرات والأربعة فروع هم دجلة والفرات وفرعين لهما وربما يكونوا قد إندثروا. والحويلة هي القسم الشمالي الشرقي من أرض العرب وكان حويلة من أبناء كوش. وكان الذهب يوجد في الجبال التي علي شرق البحر الأسود. وأرض كوش غالباً هي أرض عيلام التي عرفت إلي زمان طويل بأسم "كاشو" كما أن سهل بابل كان يدعي "عدنو" وهناك فروع كثيرة للنهرين الكبيرين ربما يكون منهما جيحون وفيشون وربما هما فرعان مندثران. وموقع الجنة هو إما جنوب العراق أو في أرمينيا. وعموماً فهذه الأرض أرض خصبة وأرض أنهار.
أية 15:
" 15 واخذ الرب الاله ادم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها "
ليعملها ويحفظها:
هنا نجد آدم شريكاً لله في العمل فجنة عدن غرسها الله وها هو آدم يعملها ويحفظها. فالإنسان خلق ليعمل والله نفسه يعمل. أف 10:2 فالله لم يخلق الإنسان ويعطيه عقلاً وحكمة لينام ويأكل ويشرب فقط. فالله قدس العمل.
الأيات 16 17:
"16 واوصى الرب الاله ادم قائلا من جميع شجر الجنة تاكل اكلا 17 واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها موتا تموت "
هذه الأيات هي شرط الإستمرار في هذه الحياة والشركة الحلوة مع الله. هنا نجد الوصية والوصية هي:-
1. إعلان حرية إرادة الإنسان فمع الحرية لابد من وصية.
2. شرط الإستمرارية في هذا النوع من الحياة.
ونجد هنا نتيجة عدم طاعة الوصية…موتاً تموت: فالإنسان لم يخلق ليموت بل ليحيا ولكن "أنا أختطفت لي قضية الموت… القداس الغريغوري". وهذه ليست عقوبة بقدر ما هي نتيجة يحذر الله آدم منها. أن الإنفصال عنه = موت. ومن هنا نري ان الوصية ليست حرماناً بل هي الطريق للتمتع بالفرح والقداسة مع الله. أما الموت فهو الثمرة الطبيعية للخطية. ومن محبة الله للإنسان فهو لم يلعن الإنسان بسبب الخطية بل لعن الأرض ولعن الحية.
(كان آدم في الجنة مثل شخص ضعيف في غرفة معتمة أعطي له الطبيب وصية، أنه لو خرج منها ستقابله الميكروبات فيمرض ويموت. وخرج الشخص فأصيب بالأمراض فأعطي الله الوصايا العشر كنصائح مثلما يعطي الطبيب نصائح للمريض حتي يطيل عمره بقدر الإمكان).
الايات 18- 21:
" 18 وقال الرب الاله ليس جيدا ان يكون ادم وحده فاصنع له معينا نظيره 19 وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فاحضرها إلى ادم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها 20 فدعا ادم باسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية واما لنفسه فلم يجد معينا نظيره 21 فاوقع الرب الاله سباتا على ادم فنام فاخذ واحدة من اضلاعه وملا مكانها لحما "
في أية 18: نري الله يتخذ قراراً بأن يصنع لآدم معيناً نظيره، أي أن الله قد إتخذ قراراً بأن يخلق حواء من جنب آدم.
وكان المسار الطبيعي للأيات أن تأتي أية 21 (فأوقع الرب الأله سباتاً علي آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه…الخ) بعد أية 18 مباشرة. فما الذي أدخل الأيات 20،19فيما بينهما.
هنا نري طريقة الله في التعامل مع الإنسان، صديق الله. فالله خلق الإنسان حراً، والله لا يفرض علي الإنسان شيء رغما عن إرادته لذلك نجد الله هنا يأتي بالحيوانات ويشرح لآدم طبيعة كل حيوان وبعد أن يفهم آدم طبيعة الحيوان ويدرسه دراسة كاملة يعطيه أي يعطي للحيوان إسمه [ كما نقول في العربية (دب) لأن هذا الحيوان ضخم وثقيل الوزن، وحينما يسير يدب علي الأرض… وهكذا] وفي أثناء الشرح يكتشف آدم أن الحيوانات كلها ذكر وأنثى فيسأل الله ولماذا هم ذكر وأنثي؟ فتكون إجابة الله أن الإنثي يا آدم 1- لتكون معيناً نظيره" 2-ليتكاثروا.
ويسأل آدم ولماذا أنا وحيد دون أنثي؟ ويقول له الله وهل تريد لك أنثي، ويقول آدم بعد أن أقنعه الله نعم أريد… هنا تحول قرار الله في آية 18 إلي طلب من آدم لله. فالله لا يفرض علي شيئاً إلا بعد أن يقنعني، ويصير هذا الشئ طلباً لي، لذلك قال أرميا. أقنعتني يارب فإقتنعت وألححت علي فغلبت أر7:20 بل أن الآية "الروح القدس يبكت علي خطية … يو 8:16 في ترجمات أخري نجدها "الروح القدس يقنع علي خطية… فالروح القدس يقنع الإنسان ويحاوره ويلح عليه أن يترك الخطية لمصلحته.
أية 18: نري هنا أن الله يريد أن يحيا الإنسان حياة إجتماعية، فيها حب متبادل وأسرة متحابة ومجتمع متعاون (فيه الأذن والعين واليد والرجل…) وكلمة معيناً نظيره= يكشف عن مفهوم الحياة الزوجية فهي نظيره فلا يتشامخ أحدهما علي الأخر.
الأيات 20،19: لماذا يسمي آدم الحيوانات بأسمائها:-
هذا يعطيه شعوراً بالسيادة عليهم.
كان يعطي الإسم بعد أن يدرس ويعرف طبيعة الحيوان وما العمل الممكن ان يقوم به أو الخدمة التي يمكن إستخدامه فيها. إذا هي نوع من الدراسة والمعرفة.
كان في هذا تدريب من الله لآدم علي التفكير والنطق.
حين درس الحيوانات وجدهم ذكراً وأنثي ولم يكن بينهم من هو نظيره فإشتاق أن يكون له معيناً نظيره.
ولاحظ فإن الله أعطي أسماء للشمس والقمر والنهار والليل فهو له سلطان علي كل هذه وترك السلطان علي الحيوانات والطيور لآدم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فهو أي الله وضع بعضاً من كرامته علي آدم. وللأسف فقد الإنسان هذه الكرامة بعد سقوطه وهذا ما يسمى الموت الأدبى.
الأيات 21-24:
" 21 فاوقع الرب الاله سباتا على ادم فنام فاخذ واحدة من اضلاعه وملا مكانها لحما 22 وبنى الرب الاله الضلع التي اخذها من ادم امراة واحضرها إلى ادم 23 فقال ادم هذه الان عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امراة لانها من امرء اخذت 24 لذلك يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته ويكونان جسدا واحدا "
حواء صنعها الله من ضلع آدم والضلع بجانب القلب وتحت الذراع حتي يحيطها بحبه ويحميها بذراعه وهي ليست من رأسه فتنتفخ عليه ولا من قدمه فيدوسها. ولاحظ طريقة الله، فالله أخذ من آدم ضلعاً فهو حرمه من شئ، أي أحد ضلوعه ولكن ماذا أعطي له بعد ذلك… معيناً نظيره. وهكذا كل ما يحرمنا منه الله يعوضنا عنه بركات مضاعفة. ونجد في هذه القصة تشابهاً مع قصة المسيح مع كنيسته عروسه.
آدم وحواء
المسيح والكنيسة
أوقع الرب سباتاً علي آدم فنام.
فتح الله جنب آدم ليأخذ ضلعاً.
بني الرب الإله الضلع… إمرأة.
حواء هي جسد آدم (جسداً واحداً)
هذه عظم من عظامي.. لحم من لحمي.
يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمراته.
مات المسيح علي الصليب (موته كان كالنوم).
فتح جنب المسيح بالحربة ليخرج دم وماء.
الروح القدس يبني الكنيسة بإستحقاقات الدم.
الكنيسة هي جسد المسيح (والمسيح هو الرأس)
أف30:5
المسيح ترك مجده السماوي وأمته اليهودية ليلتصق بنا.
فحين مات المسيح علي الصليب وطعن في جنبه فخرج دم وماء فاضت أسرار الكنيسة من جنب المسيح. والمسيح ترك أباه بمعني أنه "إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلي نفسه أخذاً صورة عبد (في 6:2) وتَرْكِه أمه أي تَرْكِه مجمع اليهود الذي ولد منه حسب الجسد ليلتصق بالكنيسة التي جمعها من كل الأمم.
وأحضرها إلي آدم: هذا تأسيس سر الزواج.
أية 25:
" 25 وكانا كلاهما عريانين ادم وامراته وهما لا يخجلان "
كان كلاهما عريانين: الجو كان ليس بارداً ولا حاراً فهي جنة، بل ليس للحر ولا البرد سلطان عليهما. وعوامل الطبيعة ليس لها سلطان عليهما وفي السماء لا حر ولا برد.
وهما لا يخجلان: في ترجمة أخري "لا يعرفان الخجل" فهما عريانين جسدياً لكن مستورين روحياً لهذا لم يجدا ما يخجلهما. لأن ما يخجل الإنسان ليس جسده بل الفساد الذي دب فيه بسبب الخطية "فمن لم يعرف الخطية لن يعرف الخجل" وهذا هو وضع الأطفال الصغار.
تفسير التكوين 3
قسم تفاسير العهد القديم
القس أنطونيوس فكري
(اقرأ إصحاح 2 من سفر التكوين)
تفسير التكوين 1
* البحث في الكتاب المقدس
* قسم سنوات مع إي ميلات الناس - أسئلة وأجوبة عن الكتاب المقدس
* قاموس الكتاب المقدس الكامل
* صور من الكتاب المقدس
* تحميل النص الكامل للكتاب المقدس
* أطلس الكتاب المقدس (خرائط الانجيل)
* قسم العظات وبه تفسير لعشرات من أسفار الكتاب المقدس
_______________________________________________________________________